الشُّهداء.. تاريخٌ خالدٌ في سطورٍ من نور..بقلم/ هنادي محمد
- بذلُ النفس في سبيل الله يحتاجُ إلى شجاعةٍ كبيرة، ونفوسًا ممتلئةً بالإيمَـان الحقيقي بالله وبصدق وعوده، والشهداء وحدَهم من كانوا الفئة التي لا تخشَ شيئاً، لا عدد العدوّ ولا عتادَه وجبروتَه وسطوتَه.
الشهداءُ ارتقوا في سُلَّمِ كمال الإيمَـان، واختاروا أن يقفزوا إلى أعلى درجاته وتجاوزوا آليةَ التدرّج والتباطؤ؛ لأَنَّ نفوسهم كانت تحمل هَمَّ الدين ونصر القضية، كانوا هم المؤمنون العمليون الذين لا يهدأ لهم بال وهم يرون الله يُعصى في أرضه، فانطلقوا لإنصاف المظلوم ومحاربة الظالم سعيًا في إحقاق الحق وإزهاق الباطل.
الشهداء كانوا يمقتون القعود والجمود، ويرون في العمل الصالح والمسارعة فيه أولى أولوياتهم، بل من واجباتهم المُلزمة في إطار انتمائهم الإيمَـاني الصادق، كانت أرواحهم خفيفة وأجسادهم سريعة لا يحتاجون لكثيرٍ من الكلام وتكرارٍ للنداء حتى يقومون بعملهم ومسؤوليتهم، بل كانوا هم المبادرون السبّاقون في جميع الأعمال ولم يستهينوا بأبسطها وأصغرها فيتركوها ويهرولون لكبيرها، بل ينظرون إلى العمل بقيمته وأهميته وأثره وثماره التي سيقطفها الفرد والجماعة فالأمة، كانوا هم ربّيون زمانهم، الدينامو المحرك لمن حولهم، الذين لم يهنوا ويضعفوا ويستكينوا أمام أي ظرف أَو مرحلة أَو تحَدٍّ مهما كان حجمه.
وعندما نأتي للحديث عن المسؤولية الإيمَـانية فهم قادتُها وحمَلتُها ومَن كانوا أهلًا لها، لم ينظروا إليها بعين المادة ولم تكن بالنسبة لهم هدفًا أَو مطمعًا أَو حتى حدثوا أنفسَهم بأنها حق من حقوقهم مقابل ما يقدمونه ويبذلونه من جهود وإنجازات، ومما عرفته عن أكثرهم – ودون أية مزايدة – فقد كان منهم من يرفُضُها تماماً مع أنها كانت عبارة عن مبلغ بسيط أَو ما تسمى بالرعاية التي تقدم لإعالة أسرته.
وفي جانبِ الحديث عن النموذج الذي دائماً ما يحُثُّ السيد القائد -يحفظه الله ويرعاه- فقد كان الشهداء إذَا عدنا لاستذكارهم هم النموذج المتكامل لكل مؤمن مجاهد في سبيل الله، نموذج بروحيته وانطلاقته ونظرته للمسؤولية وكيفية أدائه لها، نموذج في سلوكياته وأخلاقياته ومعاملاته مع أسرته ومع إخوته المجاهدين ومع سائر المجتمع من حوله، كانوا نموذجًا يُحتذى بأعمالهم قبل أفعالهم، بحركاتهم وسكناتهم، بمنطقهم القرآني البحت، بأفكارهم التي تخدم الأُمَّــة.
وفي مسألة التعامل مع الهُدى والإعلام، فقد كانوا مقدِّسين لهدى الله، عاملون به، ناطقين بلسانه، فلا أعرف عن شهيد إلَّا وأكّـد أقرباؤه أنه كان ملتزمًا التزامًا حرفيًّا ببرنامج رجال الله؛ لأَنَّهم أدركوا أنهم لن ينالوا غايتهم (الشهادة) إلَّا من خلاله فهو نهر العبور إلى جنّة الله ورضوانه، وعن علاقتهم مع علم الهدى: فقد جسّدوا المفهومَ الحقيقيَّ والعملي لمبدأ التسليم، ينطلقون كالصواريخ في تنفيذ توجيهات العلم دون نقاش ومساءلة، يدركون أن طاعتهم له امتدادا لطاعة الله، يستمعون لمحاضراته بتفهمٍ كبير لعلمهم أنها مصدر لزكائهم وارتقائهم في مشوارهم الجهادي ومسارهم الإيمَـاني.
الشُّهداءُ وصلت روحيتهم الإيمَـانية إلى درجة الذوَبان التّام في الله، بمعنى أن مغرياتِ الدنيا وحُطامَها لم تعد تمثل عائقًا عن الانطلاقة بالنسبة لهم؛ لأَنَّ نظرتَهم لها نظرة موضوعية بعيدًا عن الغرق فيها.
الشهداءُ لا يمكن أن تفيَهم وتشرحَ مقامَهم وشخصَهم بعضٌ من الجمل والعبارات، فاللهُ -جل شأنه- قد جعل من حياتهم تاريخًا يستوجبُ منّا العودة إليه باستمرار لنستلهمَ من أرواحهم وشخصياتهم العبر والدروس، ولنقتبسَ من أنوارهم السماوية وحياتهم الملائكية، ما يجعلنا نواصلُ المضيَّ في درب فلاحِهم وفوزهم، حتى نظفرَ بربحهم ونحصلَ على ذات مكسبهم ونتجاوز الخسارة والبوار، فأزكى سلام الله ورحمته ورضوانه على أرواحهم الطاهرة ودمائهم الزّاكية، سلامٌ ملؤه العرفان والامتنان والوفاء لتضحياتهم الجسيمة وعطائهم العظيم، والعاقبة للمتقين.