مساهمات مجتمعية لبناء الحواجز والسدود وللصورة حكاية.. أيادي الأحرار جسور نحو الاكتفاء
المسيرة: يحيى الربيعي
حكاية الصورة بدأت بجلوس عضو المجلس السياسي الأعلى محمد النعيمي، ومعه المدير التنفيذي لمؤسسة بنيان التنموية المهندس محمد المداني، إلى مواطنين من أبناء بني الضبيبي على صخرة بالقرب من مبادرة حاجز مائي، ريثما يلحق بهما وزير الإعلام أ. ضيف الله الشامي ووكيل محافظة ريمة فهد الحارسي، وذلك أثناء مشاركتهم أبناء عزلة بني الضبيبي مديرية الجبين محافظة ريمة حفل تدشين أعمال تقطيع الأحجار استعدادا لبناء 9 سدود وحواجز مائية في المنطقة بمبادرات مجتمعية خالصة.
الصدفة جلبت إليهما المهاجر الصغير “عيسى”، في سن الـ15 عاماً، ترك المدرسة بعد الصف السادس، وذهب يعمل في صعدة عاملاً باليومية في المحميات الزراعية يهاجر 6-7 أشهر، ويعود للعيش بين أهله شهراً بالكثير.
أخذ الثنائي يدردشان مع “عيسى” عن الهجرة والمهاجرين، فكانت الحصيلة أن من أبناء المنطقة أكثر من 1500 مهاجر ما بين داخلي في عواصم المحافظات اليمنية، وخارج البلاد في بلدان الخليج وأخرى، الحديث عن الهجرة ومعاناتها حديث يطول وذو شجون، الخلاصة: ليس من مبرر لهجرة الكثير من أبناء منطقة بني الضبيبي سوى الجفاف ونضوب مصادر المياه من عيون وآبار.
تطور مسار الدردشة إلى الحديث عن فضيلة المبادرة، والعمل التعاوني من أجل إعادة منابع المياه إلى مجاريها كي تعود الأرض إلى عطائها، وتحتضن أبنائها، وأن ذلك لن يكون إلا بتضافر جهود أبناء المنطقة، الحديث أيقظ في نفس “عيسى” غيرة اليمني نحو أرضه ومسقط رأسه، “عيسى” استعد للمساهمة في بناء السد في قريته بـ 5 آلاف ريال شهرياً، ومثله أعلن المهاجر الشاب الثلاثيني مساهمته بالضعف.
كذلك كان استعداد كل مهاجر من أبناء بني الضبيبي، ومن لا يزال متواجداً في المنطقة وتتوفر له فرصة عمل في المنطقة بادر مساهماً بجهده في قطع الأحجار وبناء السد، وشق الطرق…إلخ، وهكذا توزعت أدوار مواطني بني الضبيبي الذين أطلقوا 9 مبادرات في مسار بناء سدود وحواجز حصاد مياه الأمطار، ناهيك عن مبادرات شق ورص الطرقات وبناء وتأهيل المدارس والمراكز الصحية.
النعيمي والمداني استمعا إلى شرح عن حالة الجفاف وشحة مصادر المياه التي تعاني منها المنطقة بسبب قلة الأمطار وسنوات القحط، مما جعل غالبية أبناء المنطقة يلجؤون إلى الهجرة بحثاً عن لقمة العيش، مع بقاء الارتباط بالأرض شعوراً بالانتماء لتراب الأرض حيث وطأت رأس المواطن الضبيبي، وترعرع عليها، كيف لا، وهو يعتبر نفسه يتيماً في المهجر، ويسعى جاهداً لأن يكون له في أرضه مصدر رزق وإن قل، إنها مصدر عزته وكرامته.. شعور لايزال يشحذ همم أولئك المهاجرين لإعادة إنعاش الحياة في منطقتهم من خلال مبادرات شق الطرق، وبناء سدود وحواجز المياه، وبناء المدارس والمراكز الصحية.
(فتحي حسن عبدالله)- مهاجر في العصيمات يتحدث بقوله: “كان المشرقي يغترب في ريمة، وعندما جفت مصادر المياه في ريمة، وقلت فرص العيش فيها، وخلف الله على بلاد المشرق بالتآخي فيما بينهم، ثم اتجهوا إلى بناء الحواجز والسدود وحفر الآبار، فتحولت العشة، على سبيل المثال لا الحصر، إلى منطقة زراعية”.
ويضيف فتحي حسن عبدالله “الثروة الحيوانية موجودة، وبني الضبيبي جبال وسهل ووادي منطقة غنية بالمراعي، للحيوان والنحل، إنما ليست هناك رعاية بمربي الحيوان أو النحل من التدريب والتأهيل على أساليب العناية السليمة والكفيلة بتنمية القدرة الإنتاجية، وإيجاد آلية تسويق تنظم عملية الإنتاج وتسويقه بأسعار مجزية تساعد على تحسين الإنتاج وجودته وجعله منافساً للمنتج الخارجي كالعسل مثلاً”.
تسأل النعيمي والمداني ما إذا كان ما يجري من بناء للسدود والحواجز هو نتاج طبيعي لحالة الانبهار بتجربة العشة؟ ليؤكد المواطن فتحي بـ “نعم”.. ونحن، بعون الله، سنحول بني الضبيبي وريمة بأكملها إلى جنة، بجهودنا ومساندة المخلصين في الدولة بالمتاح والممكن من وسائل الدعم الفني والتدريب والتأهيل والتخطيط وتنظيم مسار المبادرات والاستشارات.
وهنا يلتحق الوزير الشامي بحلقة النقاش ويقترح بقوله “المهاجر الصغير، أعلن عن مساهمته بـ 5 آلاف، أجرة عامل، والشاب ساهم بأجرة عاملين، والمهاجر صاحب المحل التجاري بأجرة خمسة عمال، ورجل الأعمال ساهم بالمواد والآلات الثقيلة”، كالغيث يأتي قطرة قطرة، وكذلك هي رحمة الله في سنن التعاون وتضافر الأيدي وتجميع وتنسيق الامكانيات بين كل الأطراف المعنية بصناعة التنمية، واليد الواحدة ما تنجز شيء، بينما تضافر الأيدي مسار يصنع المعجزات، بل وتصفي النفوس وتذوب الفروق.
كيف الشعور عندما يرد إلى مسامع الناس أن هذا البطل “عيسى” يهاجر إلى صعدة، ويعمل مع المحميات، فوق عربية، يبيع ويشتري، ويكد، ويجمع قرشين، ثم يعود إلى قريته ويساهم من هذا العرق بـ 5 آلاف ريال.. ألن يبعث هذا الموقف في نفوس القاعدين عن المساهمة الحماس والغيرة؟ إلا، بالتأكيد.. وهنا، ستحل البركة وسينزل العون والتأييد الإلهي لهذه القرية فيتغير وضع الإنسان فيها من حال القاعد المنتظر لعطاء الآخرين وإحسانهم، إلى صانع للتنمية ومغير لوجه التاريخ.