التنميةُ الزراعية والقرارُ الحر المستقل.. بقلم/ هلال الجشاري
لامتلاك الإرادَة السياسية والقرار الحر لا بد من بناء تنمية زراعية توفر الاكتفاء الذاتي وتحقّق الأمن الغذائي وتشكل أَسَاساً لنمو اقتصادي واجتماعي شامل وفي المقابل لا يمكن الانطلاق نحو التنمية الزراعية بدون توفر الإرادَة السياسية والقرار الحر وتبقى الأُمَّــة مرتهنة في أمنها الغذائي على الخارج مع ما يشكله ذلك من إمْكَانية لفقدان القرار الحر المستقل، وَإذَا أرادت أي بلد أن تبقى على إرادتها قوية متكاملة وقرارها حر مستقل فَـإنَّها ترفض أن تبقي لقمة خبزها تحت رحمة الآخرين ولهذا نجد الدول والحكومات والشعوب التي تتمتع بالحكمة والمسئولية والقوة تسعى إلى تطوير الزراعة وتشبيكها مع الصناعة الوطنية المحلية بمختلف قطاعتها لكي تكتفي ذاتياً، فالزراعة هي القطاع الأول الذي تصب الدول اهتمامها عليه وفيه لكي لا تبقى بطونها مكشوفة أمام سطوة ورحمة الآخرين.
فعلى قدر إنتاجها وتأمين غذائها ذاتياً يكون التقليل من مستوى التبعية السياسية والاقتصادية للدول الأُخرى وبالتالي تحقيق درجة أعلى من الاستقلالية في قراراته ومواقفه الدولية والداخلية وهو لا يعني بأي حال من الأحوال وقف أَو قطع التبادل التجاري مع الدول الأُخرى وإنما إعداد وتأمين شروط وظروف داخلية وطنية لتحقيق ربحية أعلى للتبادل الاقتصادي وذلك رغبة منه في تنمية الإنتاج المحلي كمياً ونوعياً وبالتالي تحقيق مستوى إشباع نوعي وكمية أعلى لاحتياجات المواطنين الاستهلاكية والاستثمارية، من جهةٍ أُخرى يؤدي هذا الوضع الجديد إلى ارتفاع مستوى الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية بشكلٍ عام، وكل هذه التحولات لا تحدث تلقائياً ولا بُـدَّ من بذل الجهود المكثّـفة والحثيثة على مستوى جميع الوحدات الاقتصادية أفراداً ومؤسّسات بالإضافة إلى تفعيل المجتمع وحسن إدارة توجيه القطاع الخاص وعلى كافة المستويات ضمن أجواء تسودها الشفافية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهو إحدى السياسات الاقتصادية التي بمقتضاها تحاول أية دولة أن تستغني كلما وسعها الجهد عن الواردات من الدول الأُخرى، وذلك باعتمادها على منتجاتها المحلية بدلاً من المنتجات الأجنبية وإشباع احتياجاتها الاستهلاكية من مختلف السلع والخدمات.
ولتحقيق ذلك يتطلب التحَرّك الجاد والعملي بداية بإعادة صياغة الزراعة وَالتنمية في اليمن على أسسٍ جديدة بحيث تكون أهدافها الرئيسية تعزيز الصمود وتحقيق الاكتفاء الذاتي واستثمار وإحياء الأرض وتعزيز ورفع الوعي المجتمعي وإعادة الاعتبار لفكرة الاقتصاد المقاوم الذي يقوم على توفير الاحتياجات الضرورية الأَسَاسية للمواطنين وتعزيز مفاهيم الاعتماد على الذات وثقافة الادخار والمبادرة والتعاون والمشاركة عبر برامج عملية بعيدًا عن التنظير والشعارات بالإضافة إلى إعادة ترتيب الأولويات الوطنية بحيث يكون للعمل الزراعي والتنمية الريفية دوراً رئيسياً وفي المقابل تخصيص الموازنات الكافية لاستنهاض القطاع الزراعي ووضع الاكتفاء الذاتي الغذائي كإحدى الأوليات الأَسَاسية للشعب اليمني، كما يتطلب بناء استراتيجية تنموية زراعية مستدامة عبر تعزيز مفاهيم وثقافة الاعتماد على الذات وتعبئة الموارد المحلية المتاحة والممكنة بأعلى درجة من الكفاءة واستخدامها على نحوٍ رشيد وفعال؛ باعتبارها الأَسَاس لبناء التنمية واعتبار التنمية الزراعية أولوية وطنية تخصص لها الموارد الكافية وتفعيل البرامج التربوية الثقافية التي تعزز الدين والقيم الوطنية وقيم التحرّر والكرامة على حساب قيمة الاستهلاك والترف والتسول وأن تأخذ هذه الاستراتيجية المشكلات الذاتية وتجاوز كُـلّ العقبات بما يحقّق الحفاظ على الأرض واستثمارها وتشغيل الأيدي العاملة وتحقيق الأمن الغذائي، كذلك على الحكومة القيام بدور حيوي ومركزي في التخطيط والإرشاد والبحث العلمي والاستصلاح الزراعي وربط القطاعين الزراعي والصناعي وتوفير الحماية للمنتجات المحلية وحل مشاكل القطاع الزراعي الذاتية وتوفير مدخلات الإنتاج الزراعي محلياً وتخصيص الموازنات الكافية والملائمة لذلك، والاهتمام بالمشاريع الزراعية التي تساهم بتوفير الأمن الغذائي وليس الزراعات التصديرية والسعي الحثيث لتحقيق مشاريع الحصاد المائي وتكرير المياه العادمة وتدوير النفايات لتصنيع السماد العضوي والأعلاف وفي المقابل إلزام المستثمرين على تخصيص جزءٍ من استثماراتهم لصالح القطاع الزراعي الأقل ربحاً من القطاعات الخدمية واعتبار ذلك جزءاً من العمل الوطني وتخفيض وإلغاء الضرائب والرسوم الجمركية على المنتجات المحلية، وإلزام البنوك بتقديم التسهيلات في القروض البنكية لصالح المزارعين عن طريق إنشاء بنك زراعي يقدم القروض للاستصلاح الزراعي والمشاريع المرتبطة بالزراعة بدون فوائد ويكون مدعوماً من الحكومة، كما هو مهم سن التشريعات والقوانين التي تكفل حماية السوق المحلي من الإغراق بالمنتجات الزراعية الخارجية وتعزيز الأنماط الاستهلاكية المناسبة لواقع شعب يسعى للتحرّر من التبعية والوصاية الخارجية وُصُـولاً إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي إن شاء الله تعالى.