سلوك العدو ورعاته يبقي احتمالات التصعيد مرتفعة: جدية الوسطاء لا تكفي!
عدم استعداد دول العدوان لاتخاذ الخطوات المطلوبة يجعل مهمة الوفد العماني مستحيلة
المسيرة | ضرار الطيب
لا زالت مخرجات زيارة الوفد العماني للعاصمة صنعاء مجهولة، لكن كافة المؤشرات على الواقع لا ترجح إمكانية إحراز تقدم حقيقي يلبي مطالب الشعب اليمني المتمثلة بصرف مرتبات الموظفين من عائدات النفط والغاز، ورفع الحصار عن المطارات والموانئ، إذ يبدو أن تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي ورعاته الدوليين ما زالوا مصرين على التعاطي مع هذه المطالب بطريقة المساومة والمقايضة، للحصول على مكاسب سياسية وعسكرية.
خلال الأيام القليلة الماضية، أكّد كُلّ من رئيس الوفد الوطني محمد عبد السلام، ونائبه الفريق الركن جلال الرويشان، أن كلّ ما يطرح حتى الآن من جانب تحالف العدوان ورعاته مجرد وعود لا أثر لها، ومقترحات لا زالت محل خلاف، وخصوصاً فيما يتعلق بملف مرتبات الموظفين وإيرادات النفط والغاز، وهو ما يعني إجمالاً أن الأمور لم تتغير منذ نهاية الهدنة، لأن إضافة أو إزالة أية تفاصيل ثانوية لا تقدم ولا تؤخر بدون وجود أرضية ثابتة للتفاهم.
والحقيقة أن إصرار تحالف العدوان على تحويل المطالب اليمنية إلى مادة للجدل والأخذ والرد، يعبر بوضوح عن انعدام رغبته في تنفيذ تلك المطالب إطلاقاً، ويؤكد أن مساعيه كلها منصبة على إيجاد ثغرات تفصيلية تتيح له كسب “اتفاق” جديد غير ملزم يعفيه من تحمل تداعيات استمرار معاناة اليمنيين.
قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، أكّد على هذه الحقيقة بشكل واضح في خطابه الأخير، حيثُ أوضح بأكثر من طريقة أن تحالف العدوان ورعاته (الولايات المتحدة بشكل رئيسي وفي المقدمة) لا زالوا ينظرون إلى مطالب الشعب اليمني وحقوقه الإنسانية والقانونية باعتبارها تنازلات من جانبهم، ويريدون مقابلها اتفاق “استسلام” من جانب صنعاء!
بالتالي فإن الحديث عن احتمالات إحراز تقدم في المفاوضات، يحتاج للاستناد إلى ما هو أكثر من مجرد زيارة الوفد العماني إلى صنعاء، خصوصاً وأن هذه الزيارة قد سبقتها زيارات أخرى بدون أن يرافقها تغيير حقيقي في موقف تحالف العدوان ورعاته.
والواقع أن احتمالات حدوث تقدم فعلي في مسار التهدئة والسلام المتعلقة بجدية صنعاء وجدية الوساطة العمانية، هي موجودة حسابياً بشكل دائم، لكن هذه الاحتمالات لن تكون أبداً كافية لخلق أي “أمل” إذا لم تكن لدى تحالف العدوان ورعاته الجدية نفسها، وبالتالي فإن الانفتاح الأحادي على السلام لا يشكل مؤشراً إيجابياً يمكن الاعتماد عليه.
ولا يبدو أن تحالف العدوان يحتاج إلى “تشجيع” ما للتوجه نحو السلام الفعلي، لأن سلوكياته لا تشير إلى أنه “متردد” فحسب، بل تؤكد أنه يتجنب متعمداً أية فرصة من شأنها أن تؤدي إلى حلول حقيقية، ويحرص على تحويلها إلى تكتيك لخداع صنعاء.
صحيح أن بعض أطراف تحالف العدوان قد أدركت استحالة تحقيق أهدافها في اليمن، بحسب ما أكّد رئيس المجلس السياسي الأعلى في وقت سابق، لكن صنعاء قد منحت هذه الأطراف فرصة ذهبية لتحويل هذا الإدراك إلى مؤشر إيجابي حقيقي يمكن البناء عليه، والهدوء النسبي الذي استمر منذ نهاية الهدنة كان “تشجيعاً” أكثر من كاف لهذه الأطراف لو كانت لديها رغبة في السلام الفعلي، غير أنها حاولت استثمار هذا التشجيع بشكل سلبي للغاية لاتخاذ وتحضير المزيد من الخطوات العدائية ضد الشعب اليمني استجابة للتوجهات الأمريكية والغربية، ومحاولة إمساك العصا من المنتصف والتنصل عن مسؤولية إيقاف معاناة اليمنيين.
ولذا فحتى إدراك بعض دول العدوان لمأزقها لم يعد له تأثير يذكر على إمكانية تحقيق تقدم حقيقي في مسار التهدئة والسلام، إذ يبدو أن هناك مسافة هائلة بين إدراك هذه الدول للحقائق وبين استعدادها لاتخاذ خطوات عملية إيجابية بشأنها، وصنعاء ليست معنية بانتظار دول تحالف العدوان لتجاوز هذه المسافة (على افتراض أنها تريد أن تتجاوزها أصلاً)، لأن معاناة الشعب اليمني لا تحتمل التأخير، ولأن المشكلة مشكلة دول العدوان في المقام الأول.
والحقيقة أن طبيعة ما يقدمه العدو على الطاولة منذ بداية الهدنة يعبر بوضوح عن استحالة ردم هذه الفجوة قريباً وعبر المفاوضات فقط، لأن محاولة تجزئة المطالب الإنسانية وتغيير طبيعتها وربطها بالملفات السياسية والعسكرية، هي تكتيكات مراوغة واضحة ووقحة، تعبر عن عدم إدراك لطبيعة المخاطر والتداعيات، وهي مشكلة غالباً ما يكون حلها الأمثل هو ملامسة تلك المخاطر والتداعيات!
وبالتالي، يمكن القول بوضوح إن مسعى الوساطة العمانية لن يتكلل هذه المرة بنتائج مختلفة عن نتائج المرات السابقة، إلا في حالة واحدة هي أن يكون الوفد العماني قد حمل إلى صنعاء مقترحات تتضمن صرف مرتبات كافة الموظفين من إيرادات النفط والغاز ورفع الحصار عن الموانئ والمطارات، وهو أمر لا يرجحه أي من المراقبين، بل إن البعض يتحدثون عن معلومات تفيد بأن العدو بعث بمقترحات إضافية لتجزئة المرتبات وتوزيعها على مراحل، بمعزل عن إيرادات النفط والغاز، وهو ما يشكل -إن صح- تأكيداً فجاً على عدم وجود استعداد للاعتراف بأن المرتبات تعتبر حقاً لموظفي الدولة وأن ثروات البلد حقٌ للشعب اليمني.
وعلى أية حال فإن الفجوة الكبيرة بين المطالب اليمنية و”مقترحات” تحالف العدوان ورعاته، تؤكد أن هناك فجوة أكبر وأوسع بين الهدنة وبين السلام الفعلي، ما يعني أن عودة التصعيد ستظل احتمالاً قائماً على الدوام، وسيكرر تحالف العدوان ورعاته محاولاتهم لتحييد هذا الاحتمال عن طريق شق طرق التفافية تقع بين حالتي “الحرب” و”السلام” من أجل كسب الوقت والإعداد للمزيد من المؤامرات والخدع والحيل، وتمرير خطوات وإجراءات عدوانية تحت غطاء “الهدوء”.
لكن هذا الطريق سيظل محفوفاً بالمخاطر، لأن صنعاء تدرك جيداً طبيعة توجهات العدو ومخططاته، وتمسكها بمصالح اليمنيين وحقوقهم كمعيار أساسي لتقييم مواقف الأعداء يجعل كل حيلهم محدودة التأثير ومعدومة المكاسب، لأنه وبغض النظر عن أية تفاصيل، الأمور التي على شاكلة: المعاناة المعيشية والاقتصادية، وانتهاك السيادة، ستبقى دائماً بوابة لعودة التصعيد، وعندما يتعلق الأمر باليمن لا يمكن التنبؤ بشدة وسعة هذا التصعيد، وأقصى ما يمكن للعدو فعله هو أن يتجهز للصدمة فقط.
وفيما يتعلق بالوضع الراهن، فإن التحذيرات والإنذارات التي وجهتها القيادة الثورية والسياسية والعسكرية خلال الأيام الماضية، بشأن مرحلة ما بعد التهدئة، لم تفقد بعد معناها، وعلى العدو ألا يعول كثيراً على مسعى تمديد حالة اللا حرب واللا سلام، فضلاً عن مسعى خداع صنعاء ودفعها للقبول باتفاق لا يلبي مطالب الشعب اليمني.