الجدل الحضاري والتاريخي في اليمن..بقلم/ عبدالرحمن مراد
ما يزال الجدل التاريخي بين الحضارتين الفارسية والرومية يمتد إلى عصرنا بالرغم من تطور الأدوات وتشعب المصالح وتداخل الشركات العالمية العابرة للقارات وبالرغم من الانزياح الكبير في المستويات الحضارية التي وصل الانسان إليها, ويبدو أن التاريخ يسير وفق قانون واحد لا يمكنه التبدل والتغير, فالذي يحدث بالأمس أو بالماضي البعيد يكاد أن يحدث اليوم فالتشابه في البواعث والأحداث يكاد يكون واحداً وإن تغيرت الأدوات والأساليب .
في الماضي البعيد حاول الرومان أن يكون اليمن جزءاً من الإمبراطورية الرومانية, وأن تخضع لنفوذهم وقد حاول القائد الروماني ديقيانوس غزو اليمن, فالتهمت صحراء صيهد جنوده وعتاده وعاد خائب الرجاء يجر أذيال الخيبة وما يزال هاجس الهيمنة وقتئذ يراود حكام تلك الحقب التاريخية أملاً في السيطرة على طريق البخور والتحكم في طرق التجارة, وفي المقابل لم تكن فارس تطمع في جنوب جزيرة العرب وجل اهتمام الفرس في الحقب التي شهدت الصراع -بين الروم والفرس- كان مركزاً على الشام وفق مفهومه الجغرافي القديم وكان الفرس من الزاهدين في جنوب الجزيرة أي في العربية السعيدة, فلم يتحدث التاريخ عن أطماعهم ولكن تحدث عن زهدهم حتى أن كسرى لم يرسل جندياً واحداً مع سيف بن ذي يزن ولكن أرسل معه نزلاء سجنه, وما يزال أحفاد الفرس من الزاهدين في اليمن يومنا المشهود.
أما النزاع على الخليج العربي وعلى الصحراء العربية فتلك قضية شائكة فالمسار التاريخي يتحدث عن قبائل مزدوجة الولاء بين الفرس والرومان والجدل ما يزال يثير غبار الصراع ولم يصل إلى رؤية محددة وواضحة, فإيران لا تعترف بشيء اسمه الخليج العربي, ولكنها تصر على تسميته بالخليج الفارسي, وموضوع الحدود البحرية, وموضوع الجزر لم يحسم بعد, وقد تجد الإمارات نفسها وحيدة في صراع الوجود الذي سيفرزه زمن ما بعد العدوان على اليمن, بعد أن تصبح المملكة دويلات متناثرة وشظايا, وبعد أن تصبح البحرين جمهورية إسلامية بدون ملوك, وتصبح قطر في خبر كان باعتبارها جغرافيا لا تملك مقومات دولة حقيقية وقد تصبح وحدة إدارية لدولة قادمة هي في ظهر الغيب –أقول قد تجد الإمارات نفسها خارج التاريخ وخارج الجغرافيا- ولا يظن ظان منهم أن سقطرى هي الجغرافيا الموعودة لدولة آل نهيان القادمة فقد أصبح التاريخ لا يعير أمثالهم بالاً, بعد أن تمادى بهم الطغيان إلى الحد الذي عشنا تفاصيله اليومية في زمن العدوان وما زلنا.
لقد دل الجدل الحضاري التاريخي بين الحضارتين الفارسية والرومانية على ثبوت اليمن ورسوخها وعلى وجودها الحضاري والثقافي والسياسي والاقتصادي وعلى زهد الفرس وطمع الرومان, كما دل على أن اليمن أرض لا تقبل غريباً, وأن صحراء صيهد ومأرب والجوف تلتهم الغزاة والطامعين , فإذا كان ذلك هو حظ الرومان قديماً فماذا عساهم أن يجدوا اليوم, فاليمن تستنهض مقوماتها الحضارية, ولعل العدوان الدولي قد صهرها فأيقظها.. وهي تتهيأ للبزوغ وما هو كائن في التاريخ سيكون ولا بقاء للطارئين على التاريخ.
ولا عزاء للمتشدقين الذين سلب المال عقولهم فهرعوا وراء بريقه وباعوا اليمن إلا ما كان من عزاء لأمثالهم في التاريخ, فالعميل المندس لا شرف له ولا قيمة له وقد دلت مسارات التاريخ وتموجات الأحداث على تراجيديا مآلاتهم وها هي السعودية تطردهم من الفنادق بعد أن قضت منه حاجة كانت تضمرها.
اليمن ليس حضارة طارئة ولكنه بلد يمتد في عمق التاريخ ويلزمه في زمنه هذا أن يقوم بتفكيك بنيته الحضارية والتاريخية والثقافية والاجتماعية ليستعيد مقوماته الحضارية والسياسية والثقافية ويستعيد مركزيته الإقليمية وصدارته التي كانت في غابر زمنه ولن يصل إلى مبتغاه حتى يصنع من فكرته الدينية مشروعاً سياسياً واعياً وقادراً على أحداث التحولات وتحريك عجلتها.