حكمةُ القائد في إنهاء الثارات..بقلم/ احترام عفيف المُشرّف
ما تقومُ به المسيرةُ القرآنية المباركة وقائدُها الملهِمُ من مساعٍ للإصلاح بين المتنازعين وحَلٍّ لقضايا الثارات وإخماد الفتن المتأججة بين القبائل يعد تفوقاً وانتصاراً لم يسبقهم إليه من حكموا اليمن على مر السنين، وتجسيداً عملياً لتوجيهات الله وقرآنه الكريم يقول تعالى: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَو مَعْرُوفٍ أَو إصلاح بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) من سورة النساء- آية (114).
إن إصلاح ذات البين هو الرَّكيزة التي يقوم عليها المجتمع، وتقوى بها الأمم، ليبتعد عنها الوهن والضعف الذي ينتج عن الفرقة والشحناء والثارات التي تمتد لسنوات، كذلك إحياء مفهوم القبيلة بالمعنى القرآني والتي تلم ولا تفرق، قبيلة منهجها كتاب الله ومرشدها محمد رسول الله ويكون دستورها محمدي لا جاهلي، علوي لا أموي، حسيني لا يزيدي، لتعود الأُمَّــة لمكانتها بين الأمم، (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّـة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) من سورة آل عمران- آية (110).
كذلك رجوع القبيلة لدورها ينهي القضايا العالقة في المحاكم لسنوات طوال دون أن يبت فيها وهو ما يعد سبباً أَسَاسياً ورئيسياً في نشوب أكثر حالات الثأر فهناك مماطلة وتسويف لقضايا من آثروا السلامة ولجأوا للقضاء في إنصافهم وَإذَا بهم كالمستجير من الرمضاء بالنار لا هم أنصفوا المظلومين ولا هم برَّأوا الأبرياء بل زادوا الطين بلة، أن يخسر المال من خسر الدم، وأن يسجن المظلوم ويطول سجنه وقد يدان أَو تنتهي حياته وهو قابع وراء القضبان وكلّ هذه السلبيات؛ بسَببِ المماطلة في البت بالقضايا.
كانت مبادرة السيد العلم عبد الملك بدرالدين الحوثي -حفظه الله- في السعي لحل الخلافات وإحياء دور القبيلة له مردود قوي جِـدًّا في عموم الناس الذين أتعبتهم الثارات وأثقلتهم المحاكم، وها نحن ولله الحمد نشهد في سنوات قليلة ورغم الحرب والعدوان نشهد حَـلّاً لقضايا مر عليها عقود من الزمن وهيَ عالقة.
وإذا كان لنا أن نفخر بالانتصار على العدوّ الخارجي فَـإنَّ فخرنا وفرحنا بانتصارنا على العدوّ الأكبر وهي النفس والشيطان الذي ينزغ بين المؤمنين وحلحلت الأمور بين المتخاصمين، فحق لنا أن نحمدَ الله ونشكره على هذا الفضل الكبير، (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) من سورة يونس- آية (58).
أضف إلى ذلك أن حَـلّ القضايا العالقة وإحياء دور القبيلة سيكون له تأثير سلبي على العدوّ الخارجي والذي لم يعد يراهن على هزيمة اليمن إلا بتأجيج الفتن بين أبنائها بعد أن عرفوا وتيقنوا من مقولة: “لا يهزم اليمني إلا يمني”، وأنهم لولا المرتزِقة من اليمنيين الذين طعنوا البلد في خاصرته بخيانتهم له لولاهم لكانت الحرب قد انتهت وهي في مهدها، فأصبحوا يراهنون على ورقة إثارة الفتن والنزاعات بين الإخوة وهو ما كانت قيادتنا متيقظة له، آخذةً له بعين الاعتبار كواجب ديني وشرعي وكخطة استراتيجية تمنع العدوّ من التوغل وتجعل المرتزِق يعيد حساباته ويرى بعين الإنصاف أن من يقتل أهله ويدمّـر بلده، لا يكون حليفًا ولا صديقًا وإن أحببته، وأن من يحمي العرض والأرض ويسعى في لمّ الشَّمل ورأب الصدع هو سندك وأخوك وَإن أبغضته.
ما زالت قضايا الثأر كثيرة والواجب علينا جميعاً الوقوف والمساندة بالقول والفعل والقلم لمن يقومون بهذا العمل المبارك الذي سيعود بالخير والأمن على الجميع والعاقبة للمتقين.