مشروعُ قانون منع المعاملات الربوية والتوصية الأهم..بقلم/ مطهَر يحيى شرف الدين
لا يخفى على أحد من أبناء المجتمع الإسلامي ما يجُرُّه نظامُ التعامل بالربا من ويلات وعواقب وآثار وأبعاد سلبية على المجتمعات، الأمر الذي نحن بحاجة إليه هو الحرص على اتِّخاذ أنظمة وَإجراءات بديلة عن التعاملات الربوية منسجمة مع القرآن الكريم والسنة النبوية، وبالمناسبة تم قبل عدة أَيَّـام انعقاد فعالية لمناقشة مشروع قانون منع المعاملات الربوية بمشاركة واسعة من قيادات الدولة وحضور ممثلين عن القطاع المصرفي والتجاري للخروج برؤية موحدة حيال مشروع القانون وَالذي تنطلق أَسَاسياته ومبادئه من ثوابت ونصوص القرآن الكريم وذلك حرصاً من القيادة السياسية والثورية على الالتزام بمنهج شرع الله مما يعبر ذلك أَيْـضاً عن رغبةٍ حقيقية في بناء الدولة اليمنية الحديثة القائمة على نظام اقتصادي إسلامي قوي بعيدًا وَخالياً من المعاملات الربوية بكافة أشكالها وَالتي تسبب بدورها عبئاً ثقيلاً على كاهل الحكومات والمجتمعات والأفراد.
فالله سبحانه لا يحرم شيئاً إلا لحكمة ويقين بأن العمل بذلك الشيء المحرم والتعامل به إنما هو لمصلحةٍ أرادها المشرع ومنفعةً وصلاحاً للأُمَّـة، ومما لا شك فيه أن عامل الاضطرابات في الجانب الاقتصادي يعتبر من أسباب التعامل بالربا وأن الركود الاقتصادي وَزيادة البطالة والشلل الذي يسود المجتمع في حركته ونشاطه سبب آخر من أسباب التعامل بالربا وأن من أسباب اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء هو التعامل بالربا وَأن تكدس المال واحتكاره واكتنازه من قبل فئةٍ محدودة من الناس سببٌ منه هو التعامل بالربا وأن من أسباب تعطيل رأس المال وجموده وحبسه دون حركةٍ في ميدان السوق هو التعامل بالربا وأن الغلاء الفاحش في الأسعار أَيْـضاً سبباً من أسباب المعاملات الربوية وَالتي يكون أطرافها أصحاب رؤوس أموال كبيرة من يفترضون على التجار المدينين زيادة الفوائد على الأموال المقترضة منهم الأمر الذي يضطر معه التجار إلى رفع الأسعار تعويضاً عما دفعوه من فوائد لأرباب المال “ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا”.
وذلك مما يسبب الإخلالٍ بالتوازن الاقتصادي دوليًّا ومحلياً، وكلّ ذلك يُعزى إلى أن عمليات الاقتراض بالربا أصبحت سهلة ومنظمة على مستوىً عالٍ من الدقة وعلى مستوى دولي في جانب المعاملات البنكية والمصرفية الأمر الذي يُخرج النقود من وظيفتها الأصلية كأدَاة للتبادل ومعيار لقيمة السلعة إلى وظيفةٍ أُخرى أَدَّت بها إلى أن أصبحت سلعة تباع وتشترى وهذا هو عين الربا، ولذلك أصبح صاحب رأس المال لا يكلف نفسه مشقة الكسب أَو العناء أَو التحَرّك أَو أن يؤسس لاستثمارات ومشاريع اقتصادية تنتفع بها المجتمعات بل يلجأ بديلاً عن ذلك إلى تجميد رأس المال مفضلاً الربح السهل والسريع من خلال جعل المال مسخراً للدَين فقط ومنتظراً للفائدة أَو الربح، فلا نشاط ولا استثمار ولا حركة ولا عمل ولا مال يدور في السوق ولا عمال يعملون.
ونتيجة لتلك الآثار الاقتصادية الكارثية الناجمة عن التعاملات الربوية وَالتي تسبب الأزمات والاضطرابات في مستويات المعيشة والإخلال بالتوازن الاقتصادي جاءت الحكمة من تحريم الربا وقد أصبح من يتعامل به كالذي يتخبطه الشيطان من المس وجاءت الآية الكريمة صريحة بالحربٍ من الله ورسوله ضد المرابين، وجاء في آيةٍ أُخرى ما يوضح محق الربا وعدم حلول البركة في المال، وإزاء التهديد والوعيد الإلهي نلاحظ جليًّا انعدام الوعي في أوساط الكثيرين ممن يتعاملون بالربا وذلك لضعف الوازع الديني وعدم الثقة بالله والخضوع لأوامره سبحانه، فنرى من الناس من يتساهل ويهمل وَيتغابى عما جاء من وعيد وجزاء وعقابٍ في القرآن الكريم، والكثير ممن يتعاملون بالربا يدس رأسه في التراب غير مبالٍ بحرمة الربا والآخر يصم أذنيه ولا يلقي بالاً ولا يعتبر لجزاءٍ أَو حسابٍ أَو حربٍ من الله سبحانه الذي أمر عباده المؤمنين بترك حتى ما بقي من الربا، فلنحذر من الوقوع فيما يغضب الله فلا نغتر بزيادة مال أَو زيادة ربح يأتي من الربا، فتلك خسارة لا ربح، فلا يغرنّ أحد إمهال الله وصبره فالله سبحانه يقول: “فَلَمّا نَسُوا مَا ذُكرُوا بِهِ فَتحْنَا عَلَيهِمْ أبواب كُـلّ شيْءٍ حَتى إذَا فَرِحوا بِمَا أُوتوا أخذنَاهُمْ بَغْتةً فَإِذَا هُمْ مُبْلسُونَ”.
ولذلك وَإزاء ما تم طرحه فَـإنَّي استنكر إحدى التوصيات التي خرجت بها الفعالية المشار إليها بداية المقال وَالتي تتحدث عن “أهميّة تجنب اتِّخاذ أي قرار أَو إجراء يتعلق بالنظام المالي والمصرفي لتفادي أي ضرر أَو عواقب سلبية لا يمكن تداركها”؛ لأَنَّنا بهذه التوصية سنظل ندور في حلقةٍ مفرغة، وبالمناسبة أوصي القيادات المعنية والمسؤولة بضرورة الأخذ بالإجراءات والأنظمة البديلة عن التعاملات الربوية والقضاء على التبعية الاقتصادية لكثير من الدول التي تتعامل بالربا والسرعة في إصدار قانون منع المعاملات الربوية واللجوء إلى حلول وبدائل أُخرى كأن تخضع رؤوس الأموال التي يملكها التجار وَالمودعين وتُسخر للنشاط الاستثماري وللحركة التجارية في السوق وألا تظل حبيسةً في البنوك تلهُفاً على تحقيق الفائدة ويكون ذلك بإشراف وتنظيم ورقابة من الجهات المعنية وَالمسؤولة حتى يطمئن التجار ومن كانوا مودعين أموالهم في البنوك، وفي ذلك منفعة كبيرة لأبناء المجتمع في تحريك وإحياء اليد العاملة والمساهمة في القضاء على البطالة ودفع رؤوس الأموال للتحَرّك في المشاريع والاستثمارات.