الحضارةُ الإسلامية بين التمنِّي والواقع.. بقلم د/ فؤاد عبدالوهَّـاب الشامي
يتفقُ الجميعُ على ريادة الحضارة الإسلامية وعلى دورها في النهوض بالأمة العربية والإسلامية، وفي الوقت الحاضر انقسم معظم المسلمين إلى فريقين في نظرتهم للحضارة الإسلامية، الفريق الأول يعيش مرحلة التمني والإشادة بالماضي التليد للأُمَّـة وبحضارتها التي سادت قرون طويلة من الزمن ويتمنى أن تعود وتسود، والفريق الآخر يشعر بحساسية كبيرة عند الحديث عن الحضارة الإسلامية ولا يريد أن يتحدث عن الماضي؛ باعتباره عودةً إلى الخلف، ويرى أن الواقع يفرض على الجميع الالتحاق بركب الحضارة الغربية السائدة في هذا العصر، وَإذَا دققنا في رأي الفريقين نجد أن الجميع على خطأ، فالفريق الأول لا يمكن له أن يعيد بناء الحضارة عن طريق التمني أَو بالحديث عنها فقط، فنهضة الأُمَّــة لها شروط ولن نستطيع إعادة بنائها إلَّا بنفس شروط بنائها في الماضي، فمن المعروف أن العرب قبل الإسلام كانوا بدو رحل وعندما دخلوا في الإسلام والتزموا بتعاليمه تغير حالهم وأصبحوا قادة العالم، وظهر منهم المفكرين والفلاسفة والأدباء والعلماء في مختلف العلوم، وتمكّنوا من بناء حضارة سادت لقرونٍ طويلة وانتفعت الإنسانية بمخرجاتها إلى يومنا هذا، وذلك بالاعتماد على تعاليم وقيم الإسلام فالدين هو الذي حرك الأُمَّــة ودفعها لبناء حضارتها، وأما الفريق الآخر والذي ارتبط فكرياً وعمليًّا بالحضارة الغربية فلا يمكن له أن يحقّق أي تقدم حضاري في أي مجال بالاستعانة بالغرب؛ لأَنَّ حضارتهم تختلف في قيمها وأهدافها عن قيم وأهداف الأُمَّــة الإسلامية، كما أن الغرب لن يسمح لأية أُمَّـة لا تدور في فلكه بالنهوض الحضاري خوفاً من المنافسة، ولذلك فَـإنَّ هذا الفريق يعيش في وهم واتّجاهه خاطئ.
والمتفق عليه بين المسلمين هو ضرورة العمل لإعادة بناء الحضارة الإسلامية والاختلاف يكمن في الطريقة التي يجب اتباعها في تحقيق ذلك، وفي الواقع يمكن للأُمَّـة الإسلامية إعادة بناء حضارتها وأن يصبح لها مكانة مميزة بين الأمم ولكن من خلال الالتزام بما التزم به الآباء الأوائل بناة الحضارة السابقة، وهو التمسك بالإسلام بمختلف جوانبه العقائدية والشعائرية والقيمية، وعند ذلك سوف تتمكّن الأُمَّــة من النهوض من كبوتها التي استمرت قرون طويلة من الزمن نجحت خلالها الأمم الأُخرى في السيطرة على دولنا وشعوبنا وسلب حريتنا وثرواتنا، فالموضوع لا يأتي بالتمني أَو بالحساسية ولكنه يأتي بالعمل الجاد ومن خلال بناء الأُمَّــة بناءً صحيحاً على ضوء ما جاء به القرآن الكريم، وعند ذلك سوف نصل إلى ما نصبو إليه.