رجبُ شهرُ الهُــوِيَّة الإيمانية.. بقلم/ عدنان علي الكبسي
في كُـلّ عامٍ يحتفل اليمنيون بأول جمعة من شهر رجب، وذلك بمناسبة أن اليمنيين دخلوا في دين الله أفواجًا في مثل هذا اليوم، في الجمعة، الأولى من شهر رجب، العام السادس الهجري، وكان رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- قد اختار لهم أخاه ووصيه وخليفته من بعده أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب -صلوات الله عليه-، فاتخذ اليمنيون الجمعة الأولى من شهر رجب عيداً دينياً يُعبِّرون فيه عن حمدهم وشكرهم لله على نعمة الإسلام بمظاهرٍ متعددة، أبرزها صلة الأرحام وتبادل الزيارات والهدايا ونحر الذبائح وتوزيعها على الفقراء والأرحام، فضلاً عن إحياء هذه الذكرى بفعاليات دينية وإنشادية في المساجد والمجالس والمدارس وغيرها.
اليمنيون في شهر رجب من كُـلّ عام يعززون هُــوِيَّتهم الإيمانية، ويرسخون بشكلٍ أكبر أصالة الإيمان في واقعهم العملي، بنوا حياتهم على أَسَاس من تقوى الله، وقاموا على أَسَاس منهجية القرآن، ودعَّموا حياتهم بأصول وفروع الإيمان حتى صارت ثقافتهم القرآن، وحتى أصبحت عادات وتقاليد وأعراف القبيلة اليمنية منبعها هدى الله، لا يتكلفون بتجسيد قيم الإسلام وقيمهم الأصيلة منسجمة انسجاماً كاملًا مع قيم الإسلام، لا يُحاولون أن يتقلدوا الإيمان والإيمان يمانٍ، لا يُتعبون أنفسهم في التفكير فيما يصلح واقعهم والحكمة يمانية، كيف لا يكونون كذلك ورسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- قال فيهم: (الإيمان يمان والحكمة يمانية).
ولذا كان للإيمان أثره المباشر في روحية اليمنيين، وفي أخلاقهم، وفي مواقفهم، وفي عملهم، وفي سلوكياتهم، وفي عاداتهم، وفي تقاليدهم، وفي تعاملهم مع الآخرين، تقلدوا شرف الإيمان، وكانوا له أهلًا.
في شهر رجب من كُـلّ عام يجدد اليمنيون عهدهم وميثاقهم مع الله سبحانه وتعالى، فيتجلى العهد والميثاق في مواقفهم العظيمة أمام التحديات والأخطار، تجلى إيمان الشعب اليمني في صموده، ومن أعظم ما يمكن أن يتجلى فيه الإيمان هو الصمود في مواجهة الطاغوت ومقارعة الاستكبار، فلينظر الجميع إلى شعبنا اليمني كم هو عزيز بعزته الإيمانية الناشئة عن إيمانه، عن قيمه، عن أخلاقه، عن وجدانه الإنساني وفطرته الإنسانية؛ لأَنَّ العزة ملازمة للإيمان، لا تفارق الإنسان عزته إلا وفارقه إيمانه، يقول السيد المولى عبدالملك بدرالدين الحوثي -رضوان الله عليه-: (من أهم ما في هذا الدين من قيم هي العزة، حينما نقول: ‹الإيمان يمان›، يجب أن نقول: إن هذا الشعب يجب أن يكون عزيزًا في كُـلّ الظروف، في كُـلّ المراحل، في مواجهة التحديات والأخطار، لا يقبل بالذل أبدًا؛ لأَنَّ العزة ملازمة للإيمان، لا يمكن أبدًا أن يفارق هذا الشعب عزته إلا ويفارق إيمانه، وجوهر إيمانه، وقاعدة إيمانه، وأخلاق إيمانه، ما دام هذا الشعب مؤمناً لا يمكن أبداً إلا أن يكون عزيزًا، تلازم لا فكاك بينه، ما بين العزة وبين الإيمان، {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}، والعزة هي عزة النفوس، عزة في النفوس تصنع في الشعور والوجدان إباءً وامتناعًا من القبول بالذل، والقبول بالإذلال، والقبول بالهوان، والقبول بالاستعباد، مهما كانت الظروف، مهما امتلك العدوّ، مهما امتلكت قوى الطاغوت التي تسعى لاستعباد عباد الله، وإذلالهم والتحكم بهم، وفرض إملاءاتها وإرادتها عليهم، مهما امتلكت من قوة ومهما كان بطشها، ومهما كان جبروتها، ومهما كان حجم المعاناة من جانبها بحق عباد الله، فالمؤمنون بحكم انتمائهم وإيمانهم وعزتهم متماسكون؛ لأَنَّ عزتهم ذاتية بإيمانهم الذي ترسخ في وجدانهم)، هذا الشعب الذي أبى إلا أن تكون مواقفه إيمانية تجاه قضايا الأُمَّــة الإسلامية والتي هو جزء منها، فكان موقفه الإيماني واضح في العِداء لإسرائيل، والمناهضة لأمريكا، فوقف وقفة المؤمنين الصادقين ليناصر الشعب الفلسطيني المظلوم، واتجه لتحصين ساحته الداخلية من الولاء لأمريكا وإسرائيل، ومن التبعية لأمريكا والتطبيع مع إسرائيل، وهذا هو الموقف الإيماني، هو التعبير عن هذا العداء، التعبير عنه كلاماً وموقفاً وخطواتٍ عملية، فلم يجبن أمام مواجهة الاستكبار العالمي، ولم يوهن عزمه رغم الألم والجراحات، ولم يضعف ولم يتراجع في قضايا الأُمَّــة المبدئية، ولم يبخل في أن ينفق ماله في سبيل الله، فحركها قوافل كبرى رغم الصعوبات المادية نتيجة حصار وعدوان أمريكا وأدواتها لهذا الشعب اليمني العظيم.
أهل الإيمان والحكمة وحدهم من يتبنون قضايا الأُمَّــة، ولم يسكتوا أمام تدنيس المقدسات الإسلامية، أَو أمام تمزيق أَو حرق نسخ من كتابه المقدس (القرآن الكريم)، فخرج الشعب في مسيرةٍ كبرى مستنكرًا إحراق نسخة من القرآن في السويد، ولن يكتفي بالمظاهرة فحسب، وإنما أعلن من خلالها جهوزيته الكاملة في الدفاع عن المقدسات الإسلامية، واليمنيون فعلًا رجال الحرب وأبطال القتال، وثماني سنوات قدَّمَ النموذجَ الإيمانيَّ القرآنيَّ في مواجهةِ شُذَّاذِ الآفاقِ وأشرارِ العالم، ولقادة الغرب عبرة بغيرهم الذين واجهوا وقاتلوا رجالَ الإيمان والحكمة كيف خابوا وخسروا وانهزموا وتراجعوا بكل ذل وصَغار.