الهُــوِيَّة اليمانية أسّسها رسولُ الله وأعلنها على الملأ من مسجده..بقلم/ منير الشامي
لماذا أرسل النبي -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ- عليًّا -عليه السلام- إلى اليمن ليدعوهم إلى الإسلام، بينما أرسل إلى الآخرين من القبائل العربية وحتى إلى أعظم إمبراطوريتين في ذلك الوقت الروم وفارس رسلاً عاديين من عامة صحابته، أليس هذا السؤال مهماً ويستحق التأمل ويثير الدهشة والتعجب ويدعو إلى البحث والدراسة لمعرفة إجابته؟
باختصار لقد اختار رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- مبعوثه إلى اليمن رجلاً له من الصفات والخصائص ما لا توجد في رجل ثانٍ بعد رسول الله إلا في علي فهو الرجل الثاني بعده، وهو أخوه ووزير دولته، ومستشاره وقائده في المهمات الصعاب، وأقرب الناس منه، وأحبهم إلى قلبه، وأعلاهم منزلة، وأوفرهم علماً، وأرجحهم عقلاً، وأقواهم إيمَـاناً وبأساً، وأكملهم حكمة، وأعظمهم شجاعة وأصدقهم لساناً، وله نفس مقامه كما أخبر الأُمَّــة به، ولا يزيد عنه رسول الله إلا في النبوة والرسالة وهذا ما بينه الله ورسوله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ وَسَلَّـمَ- للأُمَّـة بموقفين عظيمين الأول حينما نزلت سورة براءة وكان قد أرسل أبو بكر بها ليقرأها على أهل مكة في البيت الحرام ثم ما لبث أن دعا عليًّا وأمره أن يلحق بأبي بكر ويذهب هو لأداء هذه المهمة مبينًا لعلي السبب بأن جبريل أتاه وقال له إن الله يقول لك هذا الأمر لا يبلغه إلا أنت أَو رجل منك والموقف الثاني حينما نزلت آية المباهلة (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْـمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أبناءنَا وَأبناءكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأنفسنَا وَأنفسكُمْ…) إلخ الآية، فدعا النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- الحسن والحسين وفاطمة وعلي فكان النبي وعلي مقام أنفسنا وكانت فاطمة مقام ونساءنا وكان الحسنين مقام وأبناءنا فدل ذلك أن مقام علي من النبي مقام النفس وهو ما أكّـده النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- بحديث المنزلة بقوله: “أنت من بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي”.
إذن يتضح لنا أن الرسول -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ- حينما اختار عليًّا وبعثه برسالته لأهل اليمن يدعوهم فيها إلى الإسلام إنما أراد أن يؤكّـد على أمور عده منها ما يلي:
أولاً: منزلة أهل اليمن العظيمة في نفسه الشريفة فخصهم بالإمام علي -عليه السلام- وبعث إليهم رجلاً يدعوهم وكأنه هو من جاءهم ليدعوهم تكريماً لهم وتشريفاً لمقامهم وتبياناً لمكانتهم، فالكريم لا يليق به إلا الأكرم والشريف لا يتناسب معه إلا الأشرف.
ثانياً: أن الإسلام هو الجسر الرابط بين اليمنيين والرسول وعلي وهذا ارتباط وثيق لا تنفصل عراه ولا تضعف حباله وأن اليمنيين وعلي اجتمعوا في الإسلام نهجاً وسلوكاً ولن يفترقوا أبداً وسيمضون على دربه في نصرة دين الله بإذن الله ومشيئته سبحانه وتعالى إلى أن تقوم الساعة.
ثالثاً: أن الرسول -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ- أراد أن يضع الأسس اللازمة لإعلان الهُــوِيَّة الإيمَـانية ويوفر الأركان الجوهرية لتنطلق فانطلقت بلقاء الإمام علي -عليه السلام- باليمنيين في زمان مبارك أول جمعة من شهر رجب ومن مكان مبارك فصار الزمان عيداً لليمنيين وصار المكان مسجداً لهم، وبمُجَـرّد أن علم رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- بنتائج اللقاء التي كان يترقبها استبشر فرحاً وأشرق وجهه الشريف وخر لله ساجداً سجدة الشكر وقد حدّد خصائص هذه الهُــوِيَّة العظيمة بأن اليمنيين نفس الرحمن وأهل النصرة والمدد للإسلام وأنهم أرق قلوباً وألين أفئدة وأن الإيمَـان يمان والحكمة يمانية.
رابعاً: أن اليمنيين تعلموا دينهم من منبعه الصافي ومن باب مدينة علمه الوافي وأخذوه من عمقه الكافي ومن جوهره الشافي ليحفظوه كما نزل وينصروه كما وصل.
ويكفي الباحث في هذا الأمر أن يتفكر في حقائق التاريخ ووقائع الزمان ليستدل على ذلك، فإن فعل سيجدها شاهدة حاضرة على ذلك فاليمن هو المصر الوحيد من أمصار الإسلام الذي تواجد فيه أعلام الهدى ولم يخلو زمانه من أحدهم أَو بعضهم من عصر الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليهما السلام وحتى يومنا هذا، وما أنفك اليمنيون عن نصرة الإسلام ونشره جيلاً بعد جيل حتى اليوم وهذه حقائق معلومة ومدونة في صحائف التاريخ وصفحاته.